السبت، 28 نوفمبر 2009

من يطفئ النار بين مصر والجزائر

من يطفئ النار بين مصر والجزائر؟
السفير د. عبد الله الأشعل
ما حدث بين مصر والجزائر معروف وكتب عنه الكثير بعضها يحقن دماء العرب ويلملم جراحهم ويوجههم إلى عدو واحد اغتصب الأرض وهتك العرض ولا يزال في فلسطين والعراق والشارع العربي يغلي، وبعضها الثاني والثالث ساند الموقف المصري والجزائري. تطوع البعض بالتفنن في ألوان الوطنية وكأن تصعيد الصراع مع الطرف الآخر من فروض الوطنية. غير أن الجميع أجمع على عدد من القواسم المشتركة في مقدمتها أن ما حدث يدعو للرثاء ويدل على هشاشة العلاقات العربية الرسمية والشعبية. الثاني أن كل التصفيات تمت في كل القارات بكل هدوء، وأنه لو كانت التصفية بين مصر ودولة أخرى بدل الجزائر في هذه الظروف، فإن التقدير يفترق، إذ يرى البعض أن الحشد والشحن المصري له دوافع تتعلق بالرغبة في استدعاء وطنية مزيفة وخلق جبهة لمعركة تنصرف إليها الآهات المكبوتة بسبب تردي الأوضاع في مصر، بينما يرى البعض الآخر أن الجزائريين بطبعهم مشاغبون، وأن ما حدث كان سيحدث في أي دولة عربية أخرى غير مصر، وهذا في نظري غير متصور، فالمكان والزمان والنفس الحكومي المصري وغليان المصريين بسبب أوضاعهم والحاجة إلى أي مناسبة للحشد والفرح لا يختلف عليه المصريون، ولكن الشحن كان أعلى بكثير مما تحتاج إليه المناسبة، تماماً كالمخدر الذي تفوق قوته مئات المرات اللازمة لعملية جراحية بسيطة، فصارت معركة حقيقية تقدمها الرسميون المصريون حتى إن التصعيد في مصر يأتي من أعلى مستوى، بينما لا يحدث ذلك على الجانب الآخر.

نحن إذن أمام انحدار للغرائز وانطلاق من المكامن ولكن في الاتجاه الخاطئ من الطرفين. فمصر هي قلب العالم العربي، وأن اتهامها بالتخلي عن قضايا أمتها لأسباب كثيرة من بينها تدهور أحوالها رأته مصر بنفسها في عيون بقية العرب، إبان هذه الملحمة، كما أن تأييد البعض للجزائر أو لمصر في المباراة اتخذ تفسيراً سياسياً فاقعاً غذته أجهزة الإعلام في البلدين وتصريحات المسؤولين في مصر.

والآن اشتعلت النار في علاقات البلدين، وتكاد تطول دولاً أخرى منها السودان، ويتفرج الآخرون على ما وصل إليه الانهيار والتصعيد، بل إن طوائف في مصر ترى أنه لا بد من استعادة هيبة مصر والمصريين، ولهذا حديث آخر، لأن الانزلاق وراء هذه الدعوات لن يفيد أحداً في مصر عكس ما يتصور البعض، والمطلوب إطفاء الحريق فكيف يتم ذلك، وكيف يقف المفكرون في كل العالم العربي ضد استمرار الحريق الذي تغذيه أوساط مشبوهة؟

أرجو أن يسارع خادم الحرمين الشريفين إلى دعوة الشقيقين بوتفليقة ومبارك إلى رحاب مكة المكرمة بأسرع ما يمكن رغم ازدحام موسم الحج، أو في الرياض أو في مقر الجامعة العربية في القاهرة لتصفية الموقف والاتفاق على تشكيل لجنة تحقيق من دول عربية حريصة على الصالح العربي العام لاستعراض ملف الأحداث، ولا يجد الطرف المخطئ غضاضة في أن يصدع بالحق فيعتذر لصاحبه ولشعبه ويلقى المخطئ من الأفراد مهما علت مراتبهم جزاءه الرادع، فالولوغ في الدم العربي جريمة وعار ولم يكن يوماً بطولة أو شرفا، وقد تقرر القمة المصغرة تشكيل فريق من المشجعين في كل الدول العربية تتولى الأمانة العامة للجامعة العربية نقلهم إلي جنوب إفريقيا وتشجيع فريق العرب الجزائري وإعداد نقل موحد كما في موسم الحج للمباريات وشحن الإعلام العربي لتثقيف المشاهد العربي بأصول كرة القدم وتشجيع الفريق بطريقة متحضرة.

إنني أناشد الرئيس مبارك وبوتفليقة بأن يصدرا تعليمات فورية بوقف فوري للحملات الإعلامية ووقف التصريحات أو النشر أصلاً في هذا الملف الخطير، كما أوجه النداء نفسه إلى المجتمع المصري ونقاباته ومنظماته المنغمسة في هذا الحدث، وكذلك إلى الجزائر والإعلام العربي في ربوع العالم العربي، لأن استمرار هذه الحال يجلب الضرر علي الجميع، ولنتعلم كيف ننظر إلى الأشياء بحجمها الطبيعي، وأن نضع المصلحة العامة الاستراتيجية فوق الاستغلال السياسي اللا أخلاقي لغرائز الناس، فالوطنية الحقة هي البناء وحرية التعبير وانطلاق الإبداع وليس الكبت فيما ينفع وتوجيهه إلى ما لا يجدي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق